فضل
عشر ذي الحجة 5/12/1444هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن
يضلل فلن تجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
كثيرا أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى
الله:] يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم
فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم [.
أيها المسلمون: لكل قوم مواسم
ينتظرونها، ويفرحون بقدومها، ومواسمُ أهل العبادة والطاعة أجلُ المواسم وأعلاها
قدرا، حدد أوانَها من وضع الميزان، وأجزل أجرَها الكريمُ المنان.
ها هي ذي مواسم الخيرات تنفحنا نسماتها،
مواسمُ أقسم الله بلياليها تعظيما لشأنها؛ فقال عز وجل: {والفجر وليال عشر *
والشفع والوتر * والليل إذا يسر}، حدث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: ((العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)) حديث صحيح
على شرط مسلم.
أيام لا تفضلها أيام غيرها أبدا، كيف لا
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا
فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ؛ إِلَّا رَجُلٌ
خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ)).
وإن من أجل الأعمال فيها: الصيام،
وخصوصًا صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد سئل رسول الله e
عن صومه فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة
التي بعده)) رواه مسلم.
ومن أجل العبادات التي تقام في هذه
الأيام عبادة حبيبة إلى الرحمن، خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، يفر منها
الشيطان، إنها عبادة الذكر للجليل الرحمن، خصها الله تعالى بقوله: {ويذكروا اسم
الله في أيام معلومات}، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه
الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) رواه الطبراني في
المعجم الكبير.
وحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه
السنة، وقد ورد في صفة التكبير عدد من الصيغ منها: الله أكبر الله أكبر، لا إله
إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
وهو ذكر مطلقٌ مشروعٌ من دخول شهر ذي الحجة
إلى آخر أيام التشريق في المنزل والعمل والسوق وفي كل مكان يليق بذكر الله تعالى،
ومقيد بعد الفرائض ابتداء من بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام
التشريق.
وأما عاشر العشرة فهو يوم الأضحى، وأفضل
الأعمال فيه إراقة دم الأضاحي لله تعالى، والتي نهي مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ
ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يريدُها عن نفسه أو عن غيره أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ
أَوْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، وهذا الامتناع لازم عند الحنابلة وسنة عند غيرهم.
فالله الله أن تضيع منا هذه العشر في
غير النافع من القول والعمل، فإنها ضيف خفيف الظل سرعان ما يذهب، وتبقى الأجور
الباقيات عند رب الأرض والسماوات، فاجعلها خلوة مع الله تعالى، تعدد فيها
الصالحات، من صدَقة وبر وإحسان وتفريج كرب ودعاء وتلاوة القرآن وقيام الليل، وصلة
رحم، وإدخال السرور على الأهل والأقارب.
فاللهم ارزقنا نية صالحة، وعملاً نتبع
فيه هدي حبيبنا محمد e، تتقبله منا، فنفوز برضاك وجنتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني
وإياكم بما فيه من الآي والبيان، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي
ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الأخرى:
الحمد لله على نعمائه، والشكر له على
فضله وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: لنكن ممن إذا دُعوا
إلى الخير أجابوا، وإذا بُشروا بالأجر اشتاقوا، يتسابقون إلى الخيرات، ويهفون لفعل
الطاعات، يمتثلون أمر ربهم تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات
والأرض أعدت للمتقين}. إنها دعوة موجهة لأصحاب الهمم العالية لاغتنام الفرص
الثمينة، وارتقاء الدرجات العالية.
أخي الحبيب: لتعلم ـ يا رعاك الله ـ أن
أكثر ما يصد المسلم عن الرغبة في الطاعات، ويحرمه من اجتناء ألذ الثمرات: هي
الذنوب، التي تحول بين الإنسان وبين فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه. يقول الله
تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.
فلنستقبل هذا الموسم
بالتوبة النصوح التي تكسر تلك القيود، وتغسلنا غسلا من تلك الذنوب، توبة لا تردد
فيها، ونتبعها بالعمل الصالح الذي يؤنسنا في قبرنا ويرفع درجاتنا في جنة ربنا.
وأذكر حجاج بيت الله
الحرام بالنية الصالحة، واتباع هدي النبي e ، والالتزام بالتوجيهات والأنظمة التي وضعت من أجل راحتهم
وسلامتهم، واتقاء حر الشمس حفاظًا على أنفسهم وصحتهم، ونسأل الله لهم الرعاية
والقبول، والغنيمة والسلامة.
وشكر الله لحكومتنا
الرشيدة كل ما تبذله من جهود جبارة خدمة لضيوف الرحمن، أعانها الله، وسددها، وتقبل
منها.
عباد الله صلوا
وسلموا على النبي المصطفى، والرسول المجتبى محمد بن عبد الله، امتثالا لأمره
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صل وسلم وبارك
على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
اللهم ياعزيز ياحكيم
أعز الإسلام والمسلمين وانصر المجاهدين المرابطين على ثغور بلادنا وعلى الحد
الجنوبي خاصة، وارحم المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم رد عنهم كل
اعتداء.
اللهم آمنا في
أوطاننا، اللهم أيد بالحق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وخذ بنوصيهما
إلى البر والتقوى، اللهم أعز بهما دينك وكتابك وسنة نبيك محمد e
ومقدسات المسلمين.
اللهم وفقنا للتوبة
النصوح، واغفر لنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم يسر على الحجاج
حجهم، وأعنهم على أداء نسكهم، وتقبل منا ومنهم، وأعن رجال أمننا على حراستهم، ووفق
أبطال الصحة والقائمين على خدمتهم، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخط، وبمعافاتك من
عقوبتك، اللهم اشفنا واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا،
وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا
ولوالدينا ولأزواجنا ولجميع المسلمين، واجعلنا جميعًا من أهل جنة النعيم برحمتك يا
أرحم الراحمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليقات
إرسال تعليق